لا أعلم السبب في ترديد هذا البيت الشعري، الذي ساهم في وجود الدولة التسلطية التي تعتبر شعبها رعايا مسلوبين الحقوق، لا يعرفون سوى ترديد هذه العبارة المهترئة: “جميعنا فداء للوطن” وهي تكريس لمنطق مقلوب يقدّس التراب ويدوس على الإنسان فيسحق كرامته ويمتهن إنسانيته، يتناسى أن لا أحد نبت من هذه الأرض، ولا أحد اختار مكان ميلاده، ولا يعلم بأي أرض يموت غداً.
قل لي..!!
أليس من الأجدى أن “نحيا من أجل هذا الوطن”؟
أليس الوطن هو وطن القلوب ودفئ المشاعر التي تشاركنا أفراحنا وتلملم شتات أيامنا الصعبة ؟
لما الوطن في ثقافتنا العربية يتقدم على المواطن؟ والأرض العربية القاحلة باتت أهم من الإنسان؟
لما ربطوا الوطنية بالأوراق والسجلات المدنية وجواز السفر وغيرها من الوثائق الإدارية؟ أليست الوطنية هي مشاعر حبنا العميقة وانتمائنا لمجتمعنا ؟
من أين أتى مصطلح “مواطن وأجنبي” أو “أقلية و أغلبية” وجميعنا عباد ربٍ واحد، نعيش ونمشي على ترابٍ واحد؟
كما أن للوطن حدود جغرافية فله أيضاً حدود وقوانين وواجبات يجب أن يقدمه للمواطنين وألا يعاملهم كرعايا للإله، تتفنن ملائكة هذا الإله في تعذيبهم والحكم بالإعدام عليهم وذلك بعد اعتقالهم من عُقر دارهم ثم نفيهم وإبعادهم عن عائلاتهم حفاظاً على أمن الإله وحماية قوميته؟؟
هل يبقى للوطن أيّ معنى، طالما مواطنه يفتقد أبسط مقومات المواطنة، ومعظم أهله يعيشون في المنفى أو “الأوطان البديلة”؟
قل لي كيف يستقيم الوطن وطناً لمن لا يملك حِسّ الانتماء إليه؟ أو مسلوب الحقوق فيه، وكيف يبدو المواطن في أوطان الآخرين؟
للأسف الشديد لقد استطاعت الأيديولوجيات المتعصبة أن تتاجر بمشاعر الناس وهي ترفع شعاراتها الكاذبة وتعلل تعذيب المواطنين الأحرار باسم الوطن و القومية لتخدم مآربها وهدفها نهب أموال المظلومين وممتلكاتهم.
إن “الوطن حيث القلب” فأينما امتلكنا مساحة في قلوب الناس فهو وطننا الحقيقي حتى لو كان منفى، والوطن الذي يسلخنا من أدميتنا بسياط الظلم والقهر والسجن يتحول إلى منفى.
وبالنسبة لي..!!
بلادي إن جارت عليّ “غريبة دخيلة”، ولا مانع لديَّ أن أعيش بالمنفى وكلي فخر أنني “لاجئة قد الدنيا”.