مقالات رأي

“الفقر مش عيب”

هذا قول أتحفظ على كثير من جوانبه إذا كان للتحفظات من فائدة.

من وجهة نظري، الفقر ليس عيباً فقط.. إنه جريمة.. جريمة متعددة الأطراف.

“الفلوس وسخ الدنيا”… “فقير ومرتاح البال”.. إلخ.

زرع الخطاب الديني الجنائزي مسنوداً بالخطاب القومي- الاشتراكي الحكومي- وهم “تقديس الفقر”.

فالفقير يظهر في الأعمال الأدبية والتلفزيونية في صورة الشريف، الشهم، المتمسك بالقيم، بينما يظهر الغني في صورة السيء، المخادع، المتملص من أي أخلاق.

وتظهر دولة القائد باعتبارها نصيرة الفقراء ومقارعة الأغنياء.

لكن هذه الصورة خادعة؛ فالأخلاق قد تتناقض مع الفقر أكثر مما تتناقض مع الغنى، لهذا قالوا “الفقر عدو كل فضيلة”.

صحيح أن الغنى والطمع في المزيد من الأموال قد يدفع البعض إلى رفع الأسعار والغش والاحتيال، لكن الفقر أيضاً يدفع البعض إلى الرشوة والتسول والاحتيال والسرقة والدعارة.

الذين قالوا “الفقر ليس عيباً” كان همهم الدفاع عن الفقير ضد الخطاب الديكتاتوري الذي يريد تحميل الفقير وحده مسؤولية فقره.

 وهذا صحيح إلى حد ما، فلا أحد يريد أن يكون فقيراً، والوضع الاقتصادي والسياسي العام وخاصة فساد الدولة وطائفية الحكم أحد أهم أسباب سقوط الملايين في هاوية الفقر.

لكن الفقير ليس بريئاً براءة تامة من فقره.

فالفقير ينجب أطفالاً أكثر من الغني، وهو بهذا يحكم على نفسه وعلى أولاده بالفقر المدقع.

وعندما يكثر الأولاد يعجز الأب عن تأمين تعليم محترم لهم، فيتسربون من المدارس إلى الأشغال الرثة منخفضة الدخل، فيحكمون على أنفسهم وعلى أولادهم بالفقر.

ويستسلم الفقير لثقافة التواكل “والرزق على الله” فيحفر حول نفسه هاوية فقر بلا قرار.. ويتورط في تعاطي القات والحشيش والمكيفات متحججاً أنها السبيل الوحيد أمامه للصبر على مرارة الواقع، فيلف حبل الفقر حول رقبته ورقاب أولاده وأحفاده.

لهذا يتحمل الفقير جزءاً من أسباب فقره، مثلما تتحمل الأنظمة الفاسدة الجزء الأهم.

من هذا المنطلق أقول إن “الفقر عيب”… عيب كبير يجب أن نسعى كلنا للخلاص منه.. عيب يجب أن يخجل منه الفقير ويسعى ليكون متعلماً وناجحاً ومنتجاً.

قد ينجح أو قد يفشل في مسعاه؛ لكن يجب أن يستمر في معركة الخروج من عنق زجاجة الفقر.

أما دولة المستقبل فلا يجب أن تكون نصيرة الفقراء، ولا تدفع الملايين من ميزانيتها لتلحين أناشيد تبجيل الفقر والأقدام الحافية.

دولة المستقبل هي الدولة التي يختفي فيها الفقراء، وثقافة الفقر وأوهام تقديس حياة الفقر “الشريفة”.

“فقراء ولكن شرفاء، أغنياء ولكن فاسدين”… أوهام يروجها من يملكون المال والسلطة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى