مقالات رأي

“انزل معنا اليوم نثرة”

مشكلتنا في اليمن ليست مشكلة وجود شخص أو عدة أشخاص فاسدين برحيلهم ستنتهي كل مشاكلنا.. مشكلتنا في اليمن هي مشكلة ثقافة مجتمع قائمة على مفاهيم خاطئة وعلى عادات وتقاليد أقوى من القانون والدستور وإذا ارتبطت بمصالح كانت المصيبة أعظم.

 ذات مره سألت شاباً في الجامعة ذكر إن لديه اختبار في اليوم التالي هل ذاكرت؟ فأجاب بلهجة من ينفي عن نفسه تهمة “أنا لا اذاكر.. أنا أركز وقت الشرح وأحل أسئلة الامتحان من فهمي”.

وفي الواقع  نجد أن معظم الطلاب يتعودون من أيام المدرسة على الغش والنجاح في الاختبارات بكل الطرق ما عدا المشروعة منها، وذلك ليثبت لنفسه بأنه رجل وأن تهمة المذاكرة فقط للأغبياء وللفتيات حتى لو ذاكر ينكر ذلك حتى لا يتم ضبطه بتهمة الاجتهاد.

ومثال آخر خطير نلمحه على طلابنا وهو طريقة حلهم لمشاكلهم داخل المدرسة أو في الحارة وذلك عن  طريق تكوين عصابات تنصر أفرادها ظالمين أو مظلومين فنجد أن أشهر عبارة متداولة بينهم “انزل معنا اليوم نثره”.. فينزل معهم ويشاركهم بدون حتى أن يسأل نفسه هل أصدقائي على حق أم على باطل.

هذه الثقافة المتوارثة تنتج أجيالاً من الشباب لا يفهمون معنى الرجولة إلا  إذا أخذ حقه أو غير حقه بيده.. تنتج ثقافة أن التعب من أجل التحصيل عيباً، وأن الغش والاحتيال رجولة.. تنتج ثقافة التنافس في الفشل والتفاخر فيما بينهم ومن سيكون أكثرهم فشلاً ومن سيكون الفشل نقطة مضيئة في سيرته الذاتية.

وفي الأخير نجد ذلك الطالب  الذي تشرب هذه الثقافة عندما يصبح مديراً أو مسؤولاً أو وزيراً يمارس مهامه من خلال هذه الثقافة، فكل وزير ينافس بقية زملائه في الفشل كي لا يتهمه أحدهم بأنه يذاكر من ورائهم، فيحل قضايا الناس وقضايا المجتمع بعيداً عن القانون.. يحلها بقوة العرف القبلي أو بقوة الحزب الذي  ينتمي إليه.

ومع سيادة هذه الثقافة لم يعد مهماً حل حكومة سابقة أو تشكيل حكومة جديدة.. إبقاء على نفس الوزراء أو تغيير بعضهم، فالنتيجة في الأخير هي واحدة “الفشل”، و”النجاح” فقط في تدمير ما تبقى لنا من أمل في رؤية  بصيص ضوء في آخر النفق.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى