في الواجهةملفات
الأمراض النفسية تزاحم البارود في قتل اليمنيين

-
ما الذي فعلته الحرب باليمنيين: قصة أم قُتِلَ أولادها الثلاثة خلال 7 أشهر
-
قاتل صامت يفتك بضحايا الحرب
-
مدير مستشفى الأمراض النفسية والعصبية في تعز لـ “الشارع”: 80% من اليمنيين بحاجة إلى دعم نفسي
-
غياب عيادات الطب النفسي وحضور لمراكز الشعوذة
-
المرضى المشردون في الشوارع.. أعدمتهم “المقاومة” بتهمة التخابر!
-
جولة داخل المصحة النفسية
تعز- “الشارع”- ملف خاص:
-
4 سنوات من الصراع الليلي: اهربوا، جاء الحوثي، جاءت القذيفة
كان الخوف واضحاً على الشاب الثلاثيني محمد الحميري، أثناء ما التقاه مراسل صحيفة “الشارع”، صباح إحدى إيام الشهر الفائت، أمام بوابة مستشفى الأمراض النفسية والعصبية، الواقع في مدينة النور، في مدينة تعز.
كان الشاب محمد برفقة والده، الذي كان يمسك به من يده. مراسل الصحيفة، سأل والد الشاب، عن ما الذي جاء به إلى المستشفى؟ أجاب الأب: “جئت أعالج ابني هذا، وأفعل له كشافات وجهازا لرأسه، لكن قالوا لي، هنا في المستشفى، إنه لا يوجد لديهم جهاز ولا كشافة”.
لماذا الجهاز والكشافة، وماذا يعاني ابنك بالضبط؟ سأل مراسل الصحيفة.
رَدَّ الأب: “قبل الحرب، كان ابني محمد سوياً وصحيحاً، ولا فيبه شيء، ولم يعاني من أي اضطرابات نفسية، أو سلوكية، أو تشنجات، وهو خريج قسم التجارة في جامعة تعز، في العام 2016، أصيب بشظية في رأسه، خلال قصف الحوثيين لمنطقة الجحملية، ومنذ ذلك الحين وهو يمسك رأسه بيديه، ويصرخ في الليل: اهربوا.. جاء الحوثي، جاءت القذيفة”.
منذ نحو أربعة أعوام، ومحمد الحميري، منشغل، في أغلب وقته، بحسب حديث والده، بمراقبة السماء، حيث يظل ينظر إليها في النهار، وكأنه ينتظر شيئاً ما قادماً منها، وما إن يرى أي حركة فيها، حتى لو كانت لعصفور، يجري مهرولاً إلى المنزل، أو أي مكان للاختباء، وهو يصرخ: “اهربوا، اهربوا”.
يؤكد الأب، أن ابنه محمداً أصبح مضطرباً بشكل دائم، ويخاف من الأصوات العالية، مشيراً إلى أنه حاول أن يقوم بعلاجه، لكنه لم يتمكن من ذلك. يقول الأب: “حالة محمد لم تستقر بعد، بسبب عدم وجود العلاج اللازم له في مدينة تعز، تعذرت كل محاولاتي لعلاجه.. عالجته في كثير من العيادات الخاصة، وجئت به كثيراً إلى مستشفى الأمراض النفسية والعصبية، دون فائدة. كل ما يستطيع فعله الأطباء له هو إعطاؤه المهدئات، وهي علاجات تخفف من حالته، ولكنها لا تعالجه بشكل كامل”.
…
في الحروب يتعرض المدنيون لانتهاكات متعددة ومتنوعة، مثل القتل، والإصابات الدائمة، والتشرد والنزوح القسري، وغير ذلك من الانتهاكات. تحدث هذه الانتهاكات بشكل يومي في

اليمن، ويتم تغطيتها بشكل لا بأس به إعلامياً، إلا أنه لا يتم الالتفات، كما ينبغي، للأضرار النفسية الناجمة عن الحرب، رغم أن تأثيراتها السلبية كبيرة وفادحة.
تقول منظمة الصحة العالمية، إن واحداً من كل خمسة أشخاص في مناطق الحروب يعانون من الاكتئاب أو القلق أو اضطرابات ما بعد الصدمة.
وأكدت المنظمة، أن “هذه النتائج تسلط الضوء على التأثير بعيد المدى للأزمات الناجمة عن الحرب في اليمن، إذ يؤثر الترابط الكبير بين فقدان الناس لأعمالهم وعدم الشعور بالأمان، في بيئة تشهد صراعات مسلحة واقتتالاً مستمراً، على صحتهم النفسية، بشكل أو بآخر، خصوصاً في البلدان التي لا تقدم أي رعاية لمواطنيها”.
…
لم تفترس الحرب في تعز الأجساد فحسب، بل تعدتها لتبسط رعبها على عقول ونفسيات كثير من أبناء المحافظة، جراء معايشتهم لمآسي الحرب واكتوائهم بنار التأثيرات السلبية لها؛ الأمر الذي تسبب بانتشار حالات الهذيان والاكتئاب والاضطرابات النفسية بين كثير من السكان المدنيين.
ومنذ نحو 6 أعوام ومدينة تعز، شأن كثير من المدن والمحافظات، تعيش حرباً مفتوحة ذات

تبعات كارثية كبيرة. لقد قُتِلَ وأصيب عدد غير قليل من المدنيين؛ جراء أعمال القصف شبه اليومية، والألغام والعبوات الناسفة التي زرعها مسلحو مليشيا الحوثي بشكل كبير، في المناطق السكنية داخل المحافظة، وإلى هذا، تعيش مدينة تعز، منذ سنوات، في حصار خانق يفرضه عليها مسلحو الحوثي من أكثر من اتجاه ومنفذ.
وقد تعرض كثير من السكان المدنيين لعمليات اختطافات واعتقالات تعسفية من قبل مليشيا الحوثي، خضعوا خلالها لأعمال تعذيب واعتداءات جسدية وجنسية، أصابت بعضهم بأمراض نفسية متعددة، ولاتزال هذه الانتهاكات مستمرة، في ظل فشل وعجز سلطة الأمر الواقع في المحافظة، التي يسيطر عليها حزب الإصلاح، عن استكمال تحرير ما تبقى من المحافظة، أو فتح الحصار الكارثي المفروض على عاصمتها.
آلاف من ساكني محافظة تعز، كما في محافظات أخرى، معرضون، بشكل يومي، لمخاطر القتل والخطف. كثير منهم يقفون، يومياً، أمام تحديات ومخاطر وجودية عدة، في ظل حرمان شبه كامل من أبسط الحقوق الإنسانية. كثير منهم يواجهون أخطاراً جمة، تتعدى حدود الألم الجسدي، إلى وجع في القلب، وانهيار لا إرادي في العقل والذاكرة.
ألحقت الحرب أضراراً مباشرة بكثير من المدنيين، كما ألقت بظلالها السلبية غير المباشرة على عدد أكبر منهم. هناك قصص مأساوية لمدنيين تعرضوا في الحرب لإصابات تسببت لهم إعاقات دائمة، هذه الإصابات لحقت، أيضاً، مئات من أفراد الجيش الوطني والمقاومة الشعبية، وبسبب الفشل في العلاج، وغياب القدرة المالية، والتعرض للإهمال من قبل المحيط الاجتماعي، تعرض كثير من المصابين، وبعض أفراد أسرهم، لأمراض نفسية فادحة. وأصبحت الأمراض النفسية تزاحم البارود في قهر الناس في زمن الحروب، وتكون الأمراض النفسية أشد فتكاً بالناس، في ظل الحروب المفتوحة غير المحسومة، كالتي تعيشها اليمن اليوم.
كان للحرب، ومازال، أضرار فادحة ومدمرة على حياة الناس. وفي الواقع، ألحقت الحرب أضراراً فادحة بملايين اليمنيين، غير أعمال القتل والدمار والخراب، حيث ألقت الحرب بأكثر من ثلثي اليمنيين إلى رصيف البطالة والعوز والجوع، كثيرون فقدوا وظائفهم، بالنسبة للموظفين الحكوميين، تم إيقاف صرف رواتبهم (يقدر عدد الموظفين الحكوميين بنحو مليون و200 ألف موظف)، وتؤكد التقارير الأممية، أن أكثر من عشرين مليون يمني صاروا يعيشون تحت خط الفقر، ولا شك أن هذا البؤس الاجتماعي العام، تسبب بأمراض نفسية لعدد غير قليل من هؤلاء الضحايا.
في ظل انهيار منظومة الرعاية الصحية، وصعوبة وصول المساعدات الإنسانية والطبية إلى مستحقيها، باتت ظاهرة انتشار الأمراض والأوبئة أمراً حتمياً، وفي مقدمتها أمراض الصحة النفسية.
الأطباء النفسيون في تعز، يؤكدون ازدياد أعداد المرضى النفسيين في المحافظة، خلال سنوات الحرب عن ما قبلها، وهذا أمر طبيعي ومفهوم. وانعدام فرص العيش الكريم، والحياة الإنسانية اللائقة، جعلت من الأمراض النفسية مشكلة كبيرة في تعز، واليمن بشكل عام، وانعدام الرعاية الصحية والطبية النفسية للمصابين والنازحين، حَوَّلت/ تُحَوِّل المشكلة إلى مأزق اجتماعي خطير.
…
قَدَّر أخصائيون نفسيون زيادة عدد المرضى النفسيين بنسبة 25 % عما كانت عليه قبل الحرب، ويؤكدون أن أعداد المرضى النفسيين لاتزال في تزايد مستمر، جراء استمرار الحربن ويؤكد الطبيب النفسي بكيل الشرعبي، في حديث لـ “الشارع”، أن هناك صلة كبيرة

بين زيادة عدد المرضى النفسيين، وتزايد أعدادهم بشكل مستمر، وبين ما يحدث في تعز واليمن بشكل عام، من حرب وحصار، وتدهور اقتصادي ومعيشي لأغلب الناس.
يقول “الشرعبي” إن الاكتئاب يأتي “في مقدمة الأمراض النفسية، التي يصاب بها كثير من اليمنيين”، مشيراً إلى أن “الإنسان اليمني أصبح يتعامل مع ضغوط حياتية ونفسية يومية كبيرة متنوعة، دون قدرة على التخلص من تلك الضغوط وتفريغها، أو حتى وجود أمل في تفريغها مستقبلاً”.
يضيف: “ما حدث ويحدث في اليمن، منذ نحو ست سنوات، كان بمثابة كسرة للقلب والنفس والإرادة، إذ أصبح الآلاف من الناس يشعرون بأنهم خسروا كل شيء، حتى القدرة على التفكير في الحلم بالمستقبل، وخسروا قبل ذلك وظائفهم ورواتبهم وأولادهم ومنازلهم، وخسروا كل ما هو متعلق بالأمور الضرورية لعيش لحياة اليومية، وهذا يؤثر على نفسياتهم، ويصيب أعداداً منهم بأمراض نفسية”.
ويؤكد هذا الاخصائي، بأن الظروف الاقتصادية الصعبة، هي من أهم الأسباب التي أدت إلى ارتفاع نسبة حالات المرضى النفسانيين في اليمن بشكل عام.
…
أكد الأخصائيون النفسيون، في أحاديث متفرقة مع “الشارع”، أن عدداً غير قليل من ساكني محافظة ومدينة تعز “يعانون من الاكتئاب الناجم عن ضيق ما في ظروف الحياة اليومية، بسبب الحرب التي أثقلت كاهلهم”.
الطبيب عادل ملهي، مدير مستشفى الأمراض النفسية في تعز، أكد، في حوار أجرته معه الصحيفة، تزايد أعداد المصابين بالأمراض النفسية في المحافظة، وبقية المحافظات، خلال سنوات الحرب عن ما قبلها.
يستقبل هذا المستشفى، يومياً، عشرات المرضى النفسيين من مدينة تعز، وريفها، ومن
