فنون وثقافة

البساط السحري “بأم عيني 1948” لغنام غنام.. قراءة وعرض لانطباعات الجمهور!

عدن- “الشارع“- هايل علي المذابي:

“بأم عيني 1948″ العرض المسرحي الذي قدمه الفنان الأردني ذي الأصول الفلسطينية غنام صابر غنام مرتين منتصف أكتوبر الجاري في العاصمة الأردنية عمّان. هو أحد عروض مسرح الجلسة الفرجوي الذي ابتكره وأسس له الفنان غنام غنام. وهذه العروض المسرحية مثل بـ”أم عيني 1948” وما سبقه مثل عرض “سأموت في المنفى” كلها تحمل بصمته الخاصة ومنهجيته، التي تمثل مدرسة مسرحية، لابد أن تقود حراكا فنيا مهما.

وينتمي مسرح الجلسة إلى المدارس الفرجوية الشعبية، وتمثل هويتنا العربية الخاصة في فن المسرح، التي تميزت على مر التاريخ العربي وخصوصا في فترات الأزمات القومية التي مر بها المجتمع العربي، بأنها تمثل لسان المقاومة الفنية والثقافية وصناعة الوعي واستنهاض الهمم.

ومما نجده من تمثلات لمدارس الفرجة الشعبية في تاريخنا العربي، على سبيل الذكر مسرح الحلقة ومسرح القوال عند الفنان الجزائري عبدالقادر علولة، الذي استخدمه لصناعة وعي مناهض للاستعمار. وأيضا مسرح الكركوس أو مسرح الأرجوز، الذي اشتهر في عدن، كلون فرجوي شعبي مقاوم وصانع للوعي المناهض للاستعمار في فترة الثلاثينات من القرن الماضي. وهناك نماذج كثيرة على أشكال الفرجة الشعبية وأنواعها في تاريخنا العربي، غير ما أشرت إليه مثل المسرح الاحتفالي الذي استحدثه الفنان المغربي القدير عبدالكريم برشيد استلهاما من المسرح الكرنفالي لباختين.

ولعل الفنان العربي القدير غنام غنام قد أدرك الامتيازات التي تحملها تلك الاشكال الفرجوية، وتحديدا امتياز تمثيلها الدائم لصوت المقاومة، وصناعة الوعي ضد الظلم والاستبداد والقهر وضد الاستعمار والاحتلال. وهو بما يقدمه من عروض فرجوية لا يمثل صوت مقاومة وصناعة وعي مناهض للاحتلال فقط؛ بل أيضا يجدد في ألوان الفرجة الشعبية التي تمثل الهوية العربية الخاصة، في صناعة الفرجة المسرحية، التي تميز العرب مسرحيا عن النموذج الأوروبي المستورد، الذي يعتقد الكثيرون، أنه النموذج الفني العالمي، الذي لا يمكن تجاوزه؛ لأنهم يعتقدون وهما، أنهم لا يملكون غير اتباعه، وأن العرب لا يملكون هوية فرجوية خاصة تميزهم عن النموذج الأوروبي.

وهنا نقرأ بعض انطباعات الجمهور حول العرض الفرجوي المسرحي “بأم عيني 1948” الذي قدمه الفنان غنام صابر غنام:

  • بساط سحري ركبنا عليه إلى حيفا وبحرها وعكا وسورها وترشيحا وبيوتها!

يقول محمد الحوراني في حديث موجه للفنان غنام غنام: قد يكون الحضور والقلوب العطشى للوطن رائعة بحضورها، ولكن الأروع؛ ذلك البساط السحري الذي أركبتنا إياه -بتألقك- ليحلق بنا فوق حيفا وبحرها، وعكا وسورها، وترشيحا وبيوتها، تسللت إلى غياهب عقولنا و تلاعبت بتكوين الصوت والصورة والأحاسيس، حتى بالرائحة؛ نعم كنت أشم رائحة البحر و الشجر، حتى رائحة القهوة التي احتسيتها مع ابنتك وجارتها في ترشيحا، صدقني أنني شممتُها، أدخلتنا في حالة الشك بين اليقظة والحلم، حتى إذا انتهى العرض المسرحي حينها أدركت أنني كنت أحلم وأن المسرحية الجميلة تلك لم تكن سوى حلم؛ حلم؛ ولكنه حقيقة لا تقبل الشك.

  • كاريزما “أبو غسان” استطاعت أن تدخل قلوب الجميع!

وفي انطباع آخر، يقول ياسر حمو الكفرعاني‏: الفنان غنام صابر غنام (أبو غسان): إرث كفرعاني عريق تجسد في شخص رجل؛ أبو غسان الذي يتمتع بـ “كاريزما” الفنانين الكبار، وهيبة حضورهم، ورجاحة عقلهم وحكمتهم؛ استطاع الدخول الى قلوب الجميع وحظي باحترامهم ومحبتهم، فهو الذي خدم الفن بكل شرف وحب وتفان وأمانة، ولم يسجل في أرشيف تاريخه ما يسجل عليه، بل ما سجل له من احترام وتقدير طالما حظي بهما؛ الحديث عن أبو غسان، قد ﻻ تستطيع القريحة انتقاء البوح المناسب لقامته وقدره، فهو فنان وطني ملتزم تعجز الحروف على الارتقاء لمكانته؛ وربما محاولات الكتابة عنه ها هنا، أقل ما يمكن إيفاءه حقه؛ فكل الشكر والاحترام لابن كفرعانة البار غنام صابر غنام.

  • “بأم عيني” يحتاج الكثير من الوقت لنتمكن من وصف روعته!

وفي انطباع ثالث، تقول ميرفت النواس: كنت كثيرة الحظ؛ إذ تسنى لي حضور العرض الأول والثاني للعمل الفني العظيم – بأم عيني1948- كنت الشاهدة الممتنة. تشاركت سحر الأداء والكلمات والمعنى والكثير من الدمع مع الحاضرين، ضحكنا وغنينا؛ غمرتنا الدهشة؛ كيف بإمكانك أن تحكينا بهذا الجمال وتلك الروعة.

ساعة ونصف بكامل الإنصات، بكامل اللهفة لسماع الحكاية، كان عرضاَ يحتاج إلى الكثير من الوقت والتأمل، لتتمكن من أن تصف روعته، عمل اختلطت فيه كل حواسنا واحاسيسنا لنكتشف في النهاية أنه كان جزءً منا أو أننا كنا بعضاَ منه.

تقمصتنا الحكايات والشخصيات، فجأة سمعت صدى هتاف الحضور في بير زيت، فخرية؛ فخرية؛ وحدة وحدة وطنية؛ وجدت نفسي في حقيبتك أسافر معك برحلة في الاتجاه المعاكس؛ غنام يدخل فلسطين مكتمل الحنين؛ يصل إلى الأراضي التي احتلت سنة 1948؛ بمساعدة الأهل والأصدقاء الطيبين يجد نفسه يحلق في سماء الناصرة؛ يركب بحر عكا؛ يهيم في ازقة حيفا؛ ويركض على شاطئ يافا؛ يعانق بعد غياب ابنتيه (أخواتي إيفا ورينا) وحفيديه الرائعين (معين ورسلانا)؛ يقوم بحلقة تدريبية لأبنائنا هناك؛ يزور المسارح والمتاحف والمقابر والساحات؛ ويسرق بكاميرته صورة لبيت غسان كنفاني؛ يلتقي الأصدقاء القدامى والجدد؛ يترنح فرحا ووجعا واغتراب؛ وأخيراَ؛ يقدم عرضا لعمله الفني الرائع (سأموت في المنفى)؛ كل هذا وأكثر؛ فكيف لي أن أكتب سيمفونيته الخالدة بالكلمات؟ في النهاية؛ وبعد أن ثملنا من جمال العرض؛ وضعنا عند السؤال الاهم: لماذا هزمونا؟ لماذا يهزموننا؟ لماذا لم نهزمهم؟ ودعانا لنطلق رصاصنا بكل الاتجاهات؛ لننتصر. شكرا يابا؛ شكرا لتعبك وجهدك؛ ولأنك كل مرة تحكينا وتحملنا وتسافر بنا على أشرعة الحنين.

أنا اللاجئة ميرفت النواس، من قرية الخيرية المهدمة- كنت بالأمس مع غنام غنام أحلق في فلسطين. وتختم حديثها بملاحظة تقول فيها: كان لا بد من أن أهديك خارطة فلسطين الحقيقية؛ مزينة باسمك؛ مزدانة بأم عيني 1948.

  • أين هو الاحتلال؟

وفي انطباع أخير حول عرض “بأم عيني” جاء في شكل مقال للناشطة من أجل تحقيق العدالة الاجتماعية رانيا لصوي بعنوان: “أين هو الاحتلال… عن بأم عيني 1948” نقتبس بعضا مما جاء فيه: “غنام غنام، المثقف المشتبك كما يجب، رسم غسان كنفاني كما لم يرسمه أحد، رسمه بجسده قبل أن يحكيه بكلماته، وينقله لنا بعنفوانه؛ غنام الذي قال ما فينا، ولخص قضيتنا إذ عانقت كوفيته صدره فرسمت خارطة كل فلسطين.

عندما حدثني يوما عن فكرة عمله القادم حينها، سأموت في المنفى، أماتني من القهر والبكاء، كيف يسكننا الوطن ماحيينا فيصبح ملتصقا بأسمائنا على شاهد القبر، فأنتهي “رانيا لصوي من يافا”، قص لنا حياته وتاريخنا وكأنه أنا وأنت، كان نحن وكنا كلنا لوحة من الوطن، حدثنا بسؤالٍ ماذا لو بقينا، وكان الجواب بداخل كل منا روح بقيت في الوطن، في فلسطين، تناضل، صامدة وتقاوم…”

“بأم عيني” ظاهره فن مونولوج وجوهره رواية القضية!

بعد عمله الكبير عائد إلى حيفا، ترقبت ماذا بعد؟ فكان عمله الكبير أيضا سأموت في المنفى، وترقبت ماذا بعد؟ ليأتينا السؤال أين هو الاحتلال في عملة المقاوم بأم عيني 1948… كيف تكون سيرتك مقاومة وحالة اشتباك مستمر مع العدو تنقلها إلى كل الساحات. بالظاهر هو فن مونولوج، هو حديث النفس للنفس؛ حوار الروايات وشخوصها، وبالجوهر هو رواية القضية كما نراها نحن؛ ولا نرى ولا يرى سوى فلسطين حالة مقاومة؛ في عمله الأخير الذي لم استطع إلى الآن حضوره على الواقع. ولكن كما زرت فلسطين شبرا شبرا في عيون المحبين، تمكنت من متابعة العمل على صفحات التواصل الاجتماعي وبعيون مُحبي غنام غنام المؤمنين به كما نؤمن بالقضية… في عمله الأخير يروي لنا المثقف المشتبك زيارته إلى فلسطين المحتلة عام 1948، الناصرة وعكا، ينقل لنا تفاصيله بعيني عاشق قدر تماما شوقنا ولهفتنا للتفاصيل، ويطرح السؤال الكبير أين هو الاحتلال…؟

غنام الذي وصف لنا عنصرية وهمجية وبطش الاحتلال، تنقل جنوده في الساحات والأزقة. قال: “هذا الاحتلال هش وقابل للهزيمة، بل أنه لن يحتمل سوى هزيمة واحدة…”. هزمناه في بقاء بيت غسان كنفاني موسوماً له، كل من حوله يعرفه. يعرف تاريخ ميلاده، ويعرف تاريخ مقاومته وخلوده؛ هزمناه حين جال غنام ولف في شوارع الناصرة ولم ترى عينيه فيها سوى أهلها، ولم يسمع سوى أصوات حجارتها تنطق العربية. هزمناه في مقابر شهدائنا الصامدة الراسخة الدالة على شعبٍ مقاوم، رفاة أبطاله فؤاد حجازي، محمد جمجوم، عطا الزير، قنابل مشتعلة في وجه الاحتلال؛ هزمناه وهزمناه وهزمناه كثيرا وكثيرا يا بايا يا غنام، هزمناه في كل ما فيك من جبروتٍ مقاوم، في كل ما فيك من حالة اشتباك؛ هزمناه بأن لنا الغد وبعد غد، لنا الوطن، هزمناه شعوباً نابضة؛ طلبت من حضورك الكريم أن يطلق رصاصة من بيت السؤال، رصاصة من خندق الصمود… لماذا هزمنا…؟ لماذا يهزموننا؟ لما لم نهزمهم…؟ ونحن نرمق كل حاكم ومسؤول، كل قائد ومقاوم لم يكمل الطريق!!!

لم نهزم ما دمت فينا يابا، ولن يهزم هذا الاحتلال أرضنا ما دام لنا فيها أبطالاً عانقوها؛ هي جولةٌ، والحرب سجال والحق لا يضيع. كل من باعها فان، ولن يبقى سوى وجوه حراسها.

ما هَمَّ أن نموت في دويِّ صَرخاتِ الحرب… ما هَمَّ إذا وجدنا بعدنا مَن يحملُ السِّلاح، يواصلُ الكِفاح، ويحمل الثورة للنَّصرِ… إذا وجدنا غيرنا، فنحنُ لا نموت.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى