تمضي الشابة “سارة”، الشهر العاشر، وهي متوارية عن مقر عملها وزملائها، الذين أحجمت عن التواصل بهم خلال هذه الفترة، وانصرفت إلى إعادة ترتيب حياتها وأولوياتها بشكل مغاير، بعد ما تعرضت له من ابتزاز إلكتروني عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
على مدى شهرين متواصلين، من بداية هذه الفترة، خاضت “سارة” مقاومة شرسة لمحاولة الابتزاز التي تعرضت لها من أقرب زملاء العمل لها، وانعكاس ذلك سلبا على حالتها النفسية وعدم شعورها بالأمان وفقدان الثقة بكل محيطها.
تقول “سارة”، (اسم مستعار)، في حديثها لـ “الشارع”، عن تجربتها مع الابتزاز، “بعد مقاومتي للابتزاز دخلت في حالة نفسية وعصيبة غاية في السوء، وفقدت الثقة في الجميع، وسببت لي هذه الحادثة ندبة في القلب والذاكرة، فمنذ ما يقارب العشرة الأشهر لم أعد أذهب إلى العمل، خصوصا بعد أن وقف مديري ضد انصافي جراء ما تعرضت له”.
وتضيف: “لم يعد هذا مهما بالنسبة لي الآن، بعد أن قاومت الابتزاز من زميل حاول تشويه سمعتي طلبا للمال وتقديم استقالتي من عملي وطردي، وعملت على فضحه وهذا يشعرني بالارتياح نوعا ما”.
ولم تكن “سارة” الضحية الوحيدة، لمثل هكذا نوع من جرائم الابتزاز الإلكتروني، الذي تتعدد وتتنوع قصص ضحاياه، وظروف وقوعهن فيه، وغالبا ما يتحملن تبعات مؤلمة وقاسية، قد تصل إلى فقدان الحياة، كما حدث مع الناشطة الإنسانية سارة علوان في تعز، قبل أيام.
وبالتوازي مع ما تشهده اليمن من حرب مدمرة، لم تقتصر نتائجها على ما تخلفه المواجهات، بل أثرت على القيم والأخلاق، ما دفع بالمئات من النساء إلى مواجهة افتراضية ضارية مع أفراد وعصابات وشبكات صارت تمتهن الابتزاز الإلكتروني لجني الأموال، وأشخاص ربما مدفوعين بغرائز مرضية ودوافع انتقامية.
كانت بداية “سارة”، التي تناولت “الشارع” في وقت سابق، ضمن تقرير موسع حول جرائم الابتزاز، جزءً من قصتها مع زميلها، حول خلافات ومنافسة عادية في إطار العمل، غير أن الأمر تعدى ذلك، وكان مفاجئا لها، عندما أظهر المبتز روحا انتقامية محاولا تدميرها والنيل من سمعتها وشرفها.
وعادة ما تبدأ قصص الابتزاز، برسائل عبر شبكات التواصل الاجتماعي، ومحصورة بين الطرفين، فقط قد تتضمن تهديدات بنشر صور خاصة أو كشف أسرار لتمضي الأمور إلى النهاية التي قد تصل لها، لكن القصة مع “سارة” كانت مختلفة.
تقول: “تفاجأت في إحدى الأيام من السنة الماضية (2021)، باتصال من شخص معروف يقول لي افتحي فيسبوك الآن، هناك حساب باسم يبدو مستعارا نشر عنك منشورا وشاركه مع 60 صديقا من قائمة أصدقائك وعدد آخر غير معروفين، وعندما فتحت صفحتي كانت الصدمة الكبرى لي”.
وتتابع: “عندما قرأت المنشور شعرت بالانهيار التام، بسبب المحتوى الذي فيه، وصفني بألفاظ قذرة، لن أتردد في نقل بعضا مما قاله حيث كتب اسمي كاملا وقال هذه الفتاة تمارس أعمالا مخلة بالآداب أهمها الدعارة بشكل جماعي مع مجموعة من الأشخاص وذكر أسماء زملاء لي معروفين ومحترمين”.
ومن هذه اللحظة، بدأت “سارة” معركتها مع مبتز من نوع مختلف، ومع شخص كانت تعتقد أن يكون سندا لها في عملها، رغم خلافات العمل العادية والروتينية.
وبحسب “سارة”، فإن هدف زميلها من ابتزازها، يعود لنفسيته المريضة في تشويه سمعتها ومحاولة كسب مبلغ من المال وتدميرها وطردها من عملها.
في بداية الأمر لم يخطر على بال “سارة” زميلها الذي في العمل، أو حتى مجرد الشك فيه، لكن بعد أن بدأت تتبع خيوطها وبمساعدة عدد من الأصدقاء الذين بادروا إلى ذلك، تكشفت لها حقيقة صادمة أكثر من وقوعها في الابتزاز نفسه.
أمضى المنشور، على صحفة المبتز، التي أنشأها حديثا أقل من ساعة قبل أن يحذفه تحت ضغط التعليقات التي انهالت عليه بالشتم والتهديد والوعيد، لينتقل بعدها إلى مرحلة الابتزاز والتهديد بنشر صورها.
تقول “سارة”، “حاولت أن أتمالك نفسي وأفكر بطريقة سليمة لا تسبب لي مشاكل، وخصوصا مع أسرتي، فأول ما بدأت به، الحديث مع شخص أثق به كثيراً، طالبا منه المساعدة في حل للمشكلة، والحقيقة أنه كان على قدر كبير من المسؤولية والصدق، وقدم لي مشورات جيدة”.
وتوضح، أن صديقها، طلب منها تصوير المنشور من صفحة المبتز، ليكون دليلا قبل حذفه أو يغلق صفحته، وهو ما قمت قبل أن يحذفه، وأن لا أحظره حتى في حال تواصل معي عبر الماسنجر، في حال مراسلتها لعرض طلباته.
التزمت “سارة” بنصائح صديقها، رغم ما أبدته من تخوف، لتبدأ رسائل المبتز تنهال عليها بعد ساعات من منشوره، ويبدأ بمساومتها بشكل “قذر ومستفز”، على حد وصفها.
وتضيف: أن “المبتز بدأ الحديث معي حول تفاصيل كثيرة عن اسمي وعائلتي ومقر سكني وعملي وطبيعة العمل الذي أقوم به، وكنت أحاول أجاريه عملا بنصيحة الشخص الذي لجأت إليه”.
وتشير، إلى سرد المبتز، تفاصيل كثيرة عن حياتها وحتى خط سيرها ذهابا وإيابا من البيت إلى العمل، وبدأ تهديده لها بنشر صور وتسجيلات صوتية ومرئية سيئة ومخلة لها.
وتقول: “عندما تكلم معي بهذه الطريقة بدأت أشعر بالهدوء في نفسي وزال مني التوتر والقلق؛ لثقتي أن كل ما يدعيه غير صحيح. وأن الموضوع ابتزاز لي ومحاولة لتشويه سمعتي، خصوصا بعد ما قال لي بالحرف: أريد منك أكثر من شيء، وما أطلبه تنفذيه حرفيا وإلا سأقوم بنشر الصور والمحادثات وكل ما معي”.
واصلت “سارة” الحديث معه، وإشعاره بمدى خوفها وخطورة الموقف عليها، وأنها في مأزق حقيقي، محاولة بذلك استدراجه وجره في الكلام للوصول إلى ما قد يساعدها في فضحه وكشف نواياه.
وفي سياق مجاراتها للمبتز، في الحديث، بدأت طلباتها تنهال عليها، فكانت كالتالي: أن “تأتي غدا صباحا إلى المكان الذي سوف أحدده لك في أول رسالة في الصباح ومعك مبلغ 200 ألف ريال، واحذري من محاولة الحديث مع آخرين للقدوم معك لأنك سوف تندمي طول العمر، وعندما تحضرين نفذي ما أطلبه منك بالحرف”.
لم يقف الأمر مع “سارة” عند طلب المال، بلى تعدى ذلك، وفق ما تقول إلى “طلبه بتقديم استقالتي من عملي”، والذي اعتبرته، أول خيط للكشف عن هوية المبتز، مضيفة، أن “طلبه هذا كان دليلا كافيا على أنه زميل لي في العمل”.
واصلت “سارة” أسلوبها المراغ مع المبتز، مبدية موافقتها على طلباته، غير أنها اشترطت عليه، تسليم ما ادعى أنه يمتلكه من صور وتسجيلات في فلاش، رغم ثقتها بعدم امتلاكه أي شيء مما يدعي، على حد قولها.
في اليوم التالي، ظلت “سارة” تنتظر كثيرا، رسالة من زميلها، ليحدد موعد ومكان اللقاء، بيد أنه لم يفعل، ليعاود التواصل معها مساءً عبر الماسنجر، مواصلا تهديده لها دون الحديث عن موعد آخر، بل قطع بعدها تواصله بها نهائيا لمدة ثلاثة أيام.
وتوضح: إن المبتز، “عاد لمراسلتها بعد ثلاثة أيام، وطلب منها مبلغا أكبر من السابق، غير أنها هذه المرة شعرت بارتباكه ومراوغته، من خلال تغييره طريقة تهديده لها”.
وتضيف، أن المبتز، “غير من أسلوب تهديده بنشر ما لديه من صور وتسجيلات، متوعدا بإيصالها شخصيا إلى أسرتي في المنزل، ومن هنا بدأت الإمساك بطرف الخيط للإيقاع به، وغيرت أسلوب تفاوضي معه بلهجة شديدة في محاولة لاستفزازه، كي أتعرف عليه أكثر”.
وتذكر “سارة”، أنها واجهت المبتز، باكتشافها ويقينها، بأنه أحد زملائها في العمل، وهو ما يؤكده إصراره على تقديم استقالتها وحذف صفحتها من فيسبوك، الأمر الذي جعله أكثر ارتباكا في محاولته التملص من استنتاجاتها وإنكاره ذلك، وهو ما عزز رفضها وعدم خضوعها لطلباته، بالرغم من محاولته المواجهة بمزيد من التهديدات والابتزاز.
بدأت “سارة” عملية تحري دقيقة، في محيط عملها عبر عملية مراقبة حذرة لكافة زملائها، خصوصا المقربين منها، وحالة الشك تتعاظم حول البعض منهم، فحاولت مكاشفتهم وطرح ما تتعرض له على الجميع.
وتقول: “عندما زادت حالة الشك عندي حول بعض الزملاء، حاولت الجلوس معهم أكثر من مرة، وحينما سنحت لي الفرصة، فتحت الموضوع معهم، وصارحتهم بأن أحد الزملاء يحاول تهديدي في فيسبوك باسم مستعار ليبتزني ويطلب مني أن أدفع له المال، دون ذكر تفاصيل”.
وتضيف: “أخبرتهم أيضا أنني تواصلت مع أحد المحترفين في تهكير الحسابات والصفحات الوهمية لتتبع هذا الشخص ومعرفته لتقديم شكوى به إلى الجهات الأمنية، وسيكون حسابه عسيرا، وغادرت المكتب سريعا”.
بعد جلسة المكاشفة الأخيرة، مع زملائها توقف المبتز عن التواصل مع “سارة”، وهو ما حول شكوكها إلى يقين أنه أحدهم، فبادرت هي بالتواصل معه وتهديده بفضحه أمام الجميع وأخبرته أنها توصلت إلى أدلة تكشف هويته، وتعمل على تقديم شكوى للجهات الأمنية.
عقب حديث “سارة” مع المبتز، بتلك الطريقة، ومعرفتها به وتهديده، بادر أحد زملائها في العمل لتقديم يد العون والمساعدة، وأخبرها بأنه “لن يسمح بتهديدها، مشترطا أن يكون الأمر سرا وبعيدا عن العمل والجهات الأمنية أو الحوثيين حتى لا تتعرض هي وأسرتها للأذى”.
وتقول: “في هذه اللحظة من حديث زميلي معي أيقنت أنه هو الشخص الذي يحاول ابتزازي وتهديدي، خصوصا عندما كشف لي عن معرفته بتفاصيل لم أشرحها لأي من زملائي في العمل، وكان ذلك ناتج عن ارتباكه وهو يحاول إيهامي بالخوف عليا والقلق من تشويه سمعتي خصوصا إذا وصل الأمر إلى الأمن والحوثيين”.
باشرت “سارة” زميلها المبتز، على الفور بالاتهام، وكان من أكثر الأشخاص الذين تشك بهم، فنشب بينهما شجار، ليصل الأمر إلى مديرها في العمل، الذي استدعاها إلى مكتبه، وشرحت له بالتفصيل كل ما جرى، فوعدها بالتحقيق في الأمر.
وتشير، إلى إجراء المدير لعملية التحقيق كما وعدها، لكنه ظل يماطل في الكشف عن أي نتائج توصل لها، محاولا التذرع بعدم وجود دليل قاطع يدين المبتز، مع إنها قدمت أدلة واضحة تدينه، على حد قولها.
وبالرغم من الإحباط الذي أصابها جراء موقف المدير الذي وصفته بـ “المتخاذل والمنحاز” واصلت “سارة” تحريها وجمع أدلة جديدة فوق ما قدمته لمديرها، وكانت تعتزم اللجوء إلى الجهات الأمنية بعد عدم انصافها في جهة عملها.
خلال ذلك، عاود زميلها، الحديث معها، وبأنه سيعمل على مساعدتها محاولا تناسي اتهامها له، وكان في ذلك محاولة استعطاف منه لثنيها من اللجوء إلى الإبلاغ عنه لدى الجهات الأمنية، وفق ما تقول.
وتضيف: “أخبرني زميلي المتهم بأنه تواصل مع الحساب الذي يحاول ابتزازي، وأن لديه صورا لي، وطلب مني المال كي لا يضرك، وأنا قد أعطيته مبلغا، من أجل معرفة هويته، وأن أثبت لك أني لست الشخص الذي تشكين به، وتوصلت لمعلومات عنه، وأعطاني فعلا اسم الشخص وعنوانه”.
تبيّن “سارة”، أنها أخذت المعلومات من زميلها، وأرسلتها إلى صديقها الذي ساعدها من بداية المشكلة، وبعد تواصل ورسائل متبادلة مع الشخص الذي أفصح عنه زميلها المتهم، ليكشف لهم حقيقة اللعبة بينهما.
وتقول: إن “زميلي الذي اتهمته، هو من أعطى هذا الشخص المال ليعترف أنه من كتب المنشور وحاول ابتزازها، حتى يدفع التهمة عنه، وأن هذا الشخص أبدى استعداه لقول الحقيقة في حال تقدمت بشكوى ضد زميلي”.
عقب ذلك، أعادت “سارة” تقديم شكوى جديدة بزميلها إلى جهة عملها، وأحضرت الشخص الذي قدم اعترافا بأن زميلها هو من طلب منه كتابة المنشور وحدد مضمونه، ونشره بعد ذلك بإشرافه في الحساب بالاسم المستعار.
وتوضح، أنه بناء على ذلك، أعيد التحقيق في القضية، وجرى استدعاء زميلها لأخذ أقواله بعد ما قدمته من أدلة إضافية، وكانت على ثقة أن جهة عملها ستنصفها.
وتضيف: “مع كل الأدلة التي قدمتها واعترافات الشخص الذي دفع به زميلي لعمل ذلك، وإعادة التحقيق، ومضي وقت عليه، تفاجأت بطلب المدير مني حل المشكلة بطريقة ودية ومسامحة زميلي”.
بالرغم من تلويح “سارة” مرارا، بنقل القضية إلى الجهات الأمنية، إلا أنها لم تفعل، وتحديدا بعد عدم إنصافها في جهة عملها.
وتبرر “سارة” ذلك، بعدم ثقتها في الجهات الأمنية خصوصا في ظل السيطرة الحوثية التي تفرض عليها، ولا تتعامل بجدية في مثل هذه القضايا، وعادة النساء هن الملامات، موضحة، أن تهديداتها بالأمن كانت من باب استدراج زميلها والضغط على جهة العمل للتعامل بجدية.
وتقول: “لجأت إلى أحد المحاميين، والذي بدوره نصحني هو الآخر إلى جانب كثير من الأقارب، بعدم الذهاب إلى الأمن، فإذا لم تنصفني جهة عملي فكيف بالجهات الأمنية، كان هذا مبررهم الذي أيضا اقتنعت به وأحجمت عن الفكرة”.
ضاعف ذلك، من الاحباط والخيبة التي كانت تعيشهما “سارة”، لتتوقف عن الذهاب إلى العمل، كما زاد ذلك من سوء حالتها النفسية وفقدان ثقتها في الجميع.
وتقول: “شعرت بأنني حقا تحطمت خصوصا بعد ضغط المدير عليا وإصراره على حل القضية وديا، لكني حاليا أحاول التعافي من الابتزاز والضغط النفسي الذي تعرضت له، لأنهض مجددا؛ حيث تلقيت مؤخرا تهديدا بفصلي من العمل إذا لم أعاود الدوام بعد هذا الانقطاع”.
وتتوقع “سارة” أن يتخذ مديرها هذا الإجراء بفصلها من عملها، وسبق له أن أوقف راتبها، خصوصا وأنها لم تستجب لطلبه في حل القضية مع زميلها وديا، وفوق ذلك لاتزال حتى اللحظة تتعرض لضغوط كبيرة من جهة عملها للتنازل على القضية والتصالح مع زميلها، وهو ما ساهم في تغيبها عن العمل.